القدرة الشرائية لمتعاقدي اللبنانية في خطر!

كتبت منار شحادي ـ

تعتبر الأزمة الاقتصادية والمالية المستفحلة في لبنان من بين الأزمات العشر، لا بل من بين الأزمات الثلاثة الأكثر سوءًا منذ أواسط القرن التاسع عشر، إنها إحدى خلاصات تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني لربيع 2021، الذي يقارن لبنان مع الأزمات العالمية الأكثر حدةً، حيث صنف البنك الدولي ما يعيشه لبنان حاليًا بأسوأ ثالث أزمة بالعالم بعد تشيلي وإسبانيا، وقدر البنك الدولي أن لبنان قد يستغرق من 12 إلى 19 عامًا للتعافي من هذه الأزمة. إذ تفرض الأزمة الاقتصادية الحالية واقعًا جديدًا ومرعبًا على المواطنيين، فالاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي استمر منذ عام 1993 والقائم على تثبيت سعر صرف الدولار عند مستوى 1507.5 للدولار الواحد، قد انتهى، إذ فقد اللبناني وبأشهر قليلة أكثر من نصف لا بل كل قدرته الشرائية.

هناك بالفعل العديد من المصطلحات الاقتصادية المختلفة التي انتشرت خلال الأزمة، والتي يعتبر أبرزها مصطلح القوة الشرائية، وتبرز أهمية هذا المصطلح، نظرًا للتأثير المباشر الذي يلعبه في اقتصاد اي بلد وفي الحياة الاقتصادية وتحديد المستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي ينتمي إليه الشخص داخل المجتمع الذي يعيش فيه. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر العملات أساس أي اقتصاد إذ لا يوجد اقتصاد بدون نقود.

لنحصر حديثنا هذا بالجامعة اللبنانية، ولنبين أثر انخفاض الليرة اللبنانية على القدرة الشرائية للمتعاقدين مع القطاع العام (الجامعة اللبنانية نموذجًا)، ففي الجامعة اللبنانية مشاكل عديدة تعيق إمكانية انطلاق العام الجامعي الجديد أبرزها، ملف التفرغ، ملف الرواتب والأجور، انخفاض القدرة الشرائية للموظفين والأساتذة بسبب الغلاء الفاحش بالنسبة لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وصعوبة النقل مقارنة بمعاشاتهم وغيرها من المشاكل إذ لا يمكن حصر جميع المشاكل في مقالٍ واحد.

مؤخرًا أصبحت الرواتب والأجور من أبرز المشاكل بالجامعة اللبنانية، بالنسبة للأستاذ والمتفرع والمتعاقد أيضًا. لنحصرها فقط بالموظفين المتعاقدين حيث مشكلتهم لا تقل أهمية عن بقية العاملين في الجامعة، لا بل تعتبر مشكلتهم الأصعب بحيث هم بإنتظار تفرغهم.

في بحث تخرجي لنيل الإجازة في العلوم الاقتصادية من الجامعة اللبنانية تناولت موضوع “أثر انخفاض الليرة اللبنانية على القدرة الشرائية للمتعاقدين مع القطاع العام (الجامعة اللبنانية نموذجًا)”، وكنت قد أجريت إستبيان على عينة صغيرة من الموظفين المتعاقدين مع الجامعة اللبنانية فرع صيدا، النبطية وبيروت (29 موظفًا)، كانت هذه الأسئلة أغلبها تتمحور عن الأزمة الحالية أبرزها، ساعات التعاقد وبدل الساعة، معلومات أساسية عنهم كعدد أفراد العائلة، الإعالة، السلوك الشرائي والمساعدة الاجتماعية من قبل الدولة أو الجامعة، بالإضافة إلى موضوع قيمة الأجر في ظل ارتفاع الدولار من حيث كلفة المواصلات، تراجع القدرة الشرائية وزيادة المصاريف الاستهلاكية من كهرباء، ومولد وتخطيها للمعاش الشهري بحيث كانت أغلبية إجاباتهم هي أنهم لم يتلقوا جميعهم مساعدة من الجامعة أو الدولة سوى 20.69% منهم تلقوا مساعدة بين 400 و500 ألف ليرة لبنانية، وجميعهم اتفقوا أن هذه المساعدة لا تكفي في ظل هذا الوضع، بالإضافة إلى نسبة 51.72% منهم قد تراجعت قدرتهم الشرائية 100%، في حين 37.93% قد تراجعت قدرتهم الشراية بنحو 80% والباقي 50%، ما يدل على أن معظم الموظفين المتعاقدين قد خسروا نسبة كبيرة من الراتب مقابل تغير سعر صرف الدولار.

وكان آخر سؤال موجه لهم عن كيفية تعاملهم مع الوضع الحالي، إذ أظهرت الإجابات أن النسبة الأكبر من الشريحة فضل السفر على البقاء في ظل هذا الوضع، وهذا يهدد الوضع الاقتصادي أكثر من ناحية أن الهجرة تعني هجرة الأدمغة واليد العاملة الكفوءة، مما يدل أن إنتاجية العمل ستنخفض ناهيك عن الناتج المحلي الإجمالي الذي سوف ينخفض أيضًا وهذا سيرافقه انخفاض النمو الاقتصادي أكثر فأكثر مما سيزيد الأزمة الحالية سوءًا.

يبدو أن الصعوبات التي تواجه الجسم الجامعي ككل من أساتذة وموظفين وطلاب لن تنتهي، وستبقى مرهونة بموافقة الجهات المعنية. فهل سيبنوا هؤلاء رهانهم على هذه الطبقة التي لم يتلقوا منها حتى الآن سوى الوعود بلا أي جدولة زمنية لتحقيقها؟

Leave A Reply